فصل: سنة ثمان وخمسين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 سنة خمس وخمسين وستمائة

فيها تزايدت الوحشة بين الملك المعز أيبك وبين شجر الدر فعزم على قتلها‏.‏

وكان له منجم قد أخبره أن سبب قتلته امرأة فكانت هي شجر الدر‏.‏

وذلك أنه كان قد غير عليها وبعث يخطب ابنة صاحب الموصل‏.‏

وأتفق أن المعز قبض على عدة من البحرية وهو على أم البادر وسيرهم ليعتقلوا بقلعة الجبل وفيهم أيدكين الصالحي‏.‏

فلما وصلوا تحت الشباك الذي تجلس فيه شجر الدر علم أيدكين أنها هناك فخدم برأسه وقال التركي‏:‏ المملوك أيدكين بشمقدار والله يا خوند ما علمنا ذنباً يوجب مسكنا إلا أنه لما سير يخطب بنت صاحب الموصل ما هان علينا لأجلك فإنا تربية نعمتك ونعمة الشهيد المرحوم فلما عتبناه تغير علينا وفعل بنا ما ترين فأومأت شجر الدر إليه بمنديل يعني‏:‏ لقد سمعت كلامك فلما نزلوا بهم إلى الجب قال أيدكين‏:‏ إن كان حبسنا فقد قتلناه‏.‏

وكانت شجر الدر قد بعثت نصراً العزيزي بهدية إلى الملك الناصر يوسف وأعلمته أنها قد عزمت على قتل المعز والتزوج به وممليكه مصر‏.‏

فخشي الملك الناصر يوسف أن يكون هذا خديعة فلم يجبها بشيء‏.‏

وبعث بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يحذر الملك المعز من شجر الدر وأنها باطنت الملك الناصر يوسف فتباعد ما بينهما وعزم على إنزالها من القلعة إلى دار الوزارة‏.‏

وكانت شجر الدر قد استبدت بأمور المملكة ولا تطلعه عليها وتمنعه من الاجتماع بأم ابنه وألزمته بطلاقها ولم تطلعه على ذخائر الملك الصالح‏.‏

فأقام الملك المعز بمناظر اللوق أياماً حتى بعثت شجر الدر من حلف عليه‏.‏

فطلع القلعة وقد أعدت له شجر الدر خمسة ليقتلوه‏:‏ منهم محسن الجوجري وخادم يعرف بنصر العزيزي ومملوك يسمى سنجر‏.‏

فلما كان يوم الثلاثاء رابع عشري شهر ربيع الأول ركب الملك المعز من الميدان بأرض اللوق وصعد إلى قلعة الجبل آخر النهار‏.‏

ودخل إلى الحمام ليلاً فأغلق عليه الباب محسن الجوجري وغلام كان عنده شديد القوة ومعهما جماعة‏.‏

وقتلوه بأن أخذه بعضهم بأنثييه وبخناقه فاستغاث المعز بشجرة الدر فقالت اتركوه فأغلظ لها محسن الجوجري في القول وقال لها‏:‏ متى تركناه لا يبقي علينا ولا عليك ثم قتلوه‏.‏

وبعثت شجر الدر في تلك الليلة إصبع المعز وخادمة إلى الأمير عز الدين أيبك الحلبي الكبير وقالت له‏:‏ قم بالأمر فلم يجسر وأشيع أن المعز مات فجأة في الليل وأقاموا الصائح في القلعة فلم تصدق مماليكه بذلك‏:‏ وقام الأمير لهم الدين سنجر الغتمي - وهو يومئذ شوكة البحرية وشديدهم - وبادر هو والمماليك إلى الدور السلطانية وقبضوا على الخدام والحريم وعاقبوهم فأقروا بما جرى‏.‏

وعند ذلك قبضوا على شجر الدر ومحسن الجوجري ناصر الدين حلاوة وصدر الباز وفر العزيزي إلى الشام‏.‏

فأراد مماليك المعز قتل شجر الدر فحماها الصالحية ونقلت إلى البرج الأحمر بالقلعة ثم لما أقيم ابن المعز في السلطنة حملت شجر الدر إلى أمه في يوم الجمعة سابع عشريه فضربها الجواري بالقباقيب إلى أن ماتت في يوم السبت‏.‏

وألقوها من سور القلعة إلى الخندق وليس عليها سراويل وقميص فبيت في الخندق أياماً وأخذ بعض أراذل العامة تكتة سراويلها‏.‏

ثم دفنت بعد أيام - وقد نتنت وحملت في قفة - بتربتها قريب الشهد النفيسي‏.‏

وكانت من قوة نفسها لما علمت أنها قد أحيط بها أتلفت شيئاً كثيراً من الجواهر واللآلئ كسرته في الهاون‏.‏

وصلب محسن الجوجري على باب القلعة ووسط تحت القلعة أربعون طواشياً وصلبوا من القلعة إلى باب زويلة‏.‏

وقبض على الصاحب بهاء الدين بن حنا لكونه وزير شجر الدر وأخذ خطة بستين ألف دينار‏.‏

فكانت مدة سلطنة الملك المعز سبع سنين تنقص ثلاثة وثلاثين يوماً وعمره نحو ستين سنة وكان ملكاً حازماً شجاعاً سفاكاً للدماء‏:‏ قتل خلقاً كثيراً وشنق عالماً من الناس بغير ذنب ليوقع في القلوب مهابته وأحدث مظالم ومصادرات عمل بها من بعده ووزر له الصاحب تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز ثم صرفه واستوزر القاضي الأسعد شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزي فتمكن منه ممكناً زائداً وأحدث القاضي الأسعد حوادث شنيعة من المظالم واستناب في الوزارة القاضي زين الدين يعقوب بن الزبير - كان يعرف اللسان التركي - ليحفظ له مجالس أمراء الدولة ويطالعه ما يقال عنه‏.‏

الملك المنصور نور الدين علي بن الملك المعز أيبك أقامه أمراء الدولة سلطاناً بقلعة الجبل يوم الخميس سادس عشري شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة وعمره خمس عشرة سنة تقريباً وحلفوا له واستحلفوا العسكر ماخلا الأمير عز الدين أيبك الحلبي المعروف بأبيك الكبير فإنه توقف وأراد الأمر لنفسه ثم وافق خوفاً على نفسه‏.‏

فركب الأمير قطز - هو والأمراء - وقبض على الأمير سنجر الحلبي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر واعتقله فركب الأمير أيبك الحلبي الكبير في الأمراء الصالحية فلم توفق وتقنطر عن فرسه خارج باب زويلة فأدخل إلى القاهرة ميتاً‏.‏

وأقيم الأمير سيف الدين قطز نائب السلطة على عادته وصار مدبر الدولة الملك المنصور علي‏.‏

وأقيم الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب الصالحي أتابك العساكر عوضاً عن الأمير علم الدين سنجر الحلبي واستمر الوزرة شرف الدين الفائزي على عادته فنقل عنه الأمير سابق الدين بوزيا الصيرفي والأمير ناصر الدين محمد بن الأطروش الكردي أمير جاندار أنه قال‏:‏ المملكة ما تمشى بالصبيان والرأي أن يكون الملك الناصر‏.‏

فتوهمت أم المنصور من أنه يرسل إلى الملك الناصر وقبضت عليه وأدخلته إلى الدور وأخذ خطة بمائة ألف دينار‏.‏

واستقر في الوزارة بعده قاضي القضاة بدر الدين يوسف بن الحسن السنجاري مضافاً إلى القضاء وقد أعيد إليه‏.‏

وأحيط بأموال الفائزي وقبض على جماعة بسببه‏.‏

ثم إن السنجاري استعفى من الوزارة وتركها في ربيع الآخر فتقلد الوزارة قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن خلف العلائي المعروف بابن بنت الأعز بعد السنجاري‏.‏

وفي ليلة الخامس عشر من جمادى الآخرة‏:‏ خسف القمر بحمرة شديدة وأصبحت الشمس حمراء فأقامت كذلك أياماً وهي ضعيفة اللون متغيرة‏.‏

وفيها بلغ البحرية الذين كانوا ببلاد السلاجقة الروم موت الملك المعز فساروا في البر والبحر ووصلوا إلى القاهرة‏.‏

فلم تطل مدتهم حتى كرهوا المنصور بن المعز لكثرة لعبه بالحمام ومناقرته بالديوك ومعالجته بالحجارة وركوبه الحمير الفرء في القلعة ومناطحته بالكباش‏.‏

وفيها دخل الصارم أحمد عينه الصالحي بجماعة فقتلوا الوزير الفائزي في جمادى الأولى‏.‏

وأخرج في نخ قال ابن واصل‏:‏ حكي القاضي برهان الدين أخو الصاحب بهاء الدين بن حنا قال‏:‏ دخلت على شرف الدين الفائزي وهو معتقل فسألني أن أتحدث في إطلاقه بحكم أنه يحمل في كل يوم ألف دينار علينا‏.‏

فقلت له‏:‏ وكيف تقدر على ذلك‏.‏

فقال‏:‏ أقدر عليه إلى تمام السنة وإلى أن تمضي سنة يفرج الله تعالى‏.‏

فلم يلتفت مماليك الملك المعز إلى ذلك وعجلوا بهلاكه وخنقوه وحمل إلى القرافة ودفن بها‏.‏

وفيها وقعت الوحشة بين الملك الناصر وبين من عنده من البحرية ففارقوه في شوال وقصدوا الملك المغيث صاحب الكرك‏.‏

فأخرج الأمير سيف الدين قطز العسكر الصالحية فواقعوهم في يوم السبت خامس عشر ذي القعدة وأسروا الأمير سيف الدين قلاوون والأمير سيف الدين بلبان الرشيدي وقتل الأمير سيف الدين بلغان الأشرفي‏.‏

وانهزم عسكر الكرك وفيهم بيبرس البندقداري الذي ملك مصر‏.‏

وعاد العسكر إلى القاهرة فضمن الأمير شرف الدين قيران - المعزي وهو أستادار السلطان - الأمير قلاوون وأطلقه‏.‏

فأقام قلاوون بالقاهرة قليلاً ثم اختفى بالحسينية عند سيف الدين قطليجا الرومي فزوده وسار إلى الكرك‏.‏

وفيها بعث الخليفة إلى الناصر يوسف بدمشق خلعة وتقليداً وطوقاً وفيها حسن البحرية للملك المغيث أخذ ملك مصر فكاتب عدة من الأمراء ووعدهم‏.‏

وفيها قوي هولاكو بن طولو بن جنكزخان وقصد بغداد وبعث يطلب الضيافة من الخليفة فكثر الإرتجاف ببغداد وخرج الناس منها إلى الأقطار‏.‏

ونزل هولاكو تجاه دار الخلافة وملك ظاهر بغداد وقتل من الناس عالماً كبيراً‏.‏

وفيها قدم إلى دمشق الفقراء الحيدرية وعلى رءوسهم طراطير ولحاهم مقصوصة وشواربهم بغير قص‏.‏

وذلك أن شيخهم حيدر لما أسره الملاحدة قصوا لحيته وتركوا شاربه‏.‏

فاقتدوا به في ذلك وبنوا لهم زاوية خارج دمشق ومنها وصلوا إلى مصر‏.‏نجم الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن بن أبي سعد البادرائي البغدادي الشافعي رسول الخلافة وقاضي بغداد عن إحدى وستين سنة‏.‏

وتوفي الوزير الصاحب الأسعد شرف الدين أبو سعيد هبة الله بن صاعد الفائزي‏.‏

وتوفي عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن أبي الحديد المدائني مؤلف كتاب الفلك الدائر على المثل السائر‏.‏

ومات متملك الروم علاء الدين كيقباد بن غياث الدين كيسرو بن علاء الدين كيقباد بن غياث الدين كيخسرو بن قلج أرسلان‏.‏

وقام بعده أخوه عز الدين كيكاوس ابن غياث كيخسرو فملك الططر قونية منه قفز منها إلى العلايا‏.‏

 سنة ست وخمسين وستمائة

فيها وقع الغلاء بسائر البلاد وارتفعت الأسعار بدمشق وحلب وأرض مصر وأبيع المكوك القمح بحلب بمائة درهم والشجر بستين درهماً والبطيخة الخضراء بثلاثين درهماً وبقية الأسعار من هذه النسبة‏.‏

وفي رابع شهر رمضان‏:‏ سقطت إحدى مسان فرعون التي بعين شمس فوجد فيها نحو المائتي قنطار نحاس وأخذ من رأسها عشرة آلاف دينار‏.‏

وفيها ملك هولاكو بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله عبد الله في سادس صفر فكانت خلافته خمس عشرة سنة وسبعة أشهر وستة أيام‏.‏

وانقرضت بمهلكه دولة بني العباس من بغداد وصار الناس بغير خليفة إلى سنة تسع وخمسين وستمائة فصح حديث حبيب بن أبي ثابت عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن رسول الله قام فقال‏:‏ ‏"‏ يا معشر قريش إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته حتى تحدثوا أعمالاً تخرجكم منه‏.‏

فإذا فعلتم ذلك سلط الله عليكم شر خلقه فالتحوكم كما يلتحي القضيب ‏"‏‏.‏

وقتل الناس ببغداد وتمزقوا في الأقطار وخرب التتر الجوامع والمساجد والمشاهد وسفكوا الدماء حتى جرت في الطرقات واستمروا على ذلك أربعين يوماً‏.‏

وأمر هولاكو بعد القتلى فبلغت نحو الألفي ألف قتيل وتلاشت الأحوال بها‏.‏

وملك التتار أربل ودخل بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في طاعتهم‏.‏

وفيها كثر الوباء ببلاد الشام فكان يموت من حلب في كل يوم ألف ومائتا إنسان‏.‏

ومات من أهل دمشق خلق كثير وبلغ الرطل التمر هندي ستين درهماً‏.‏

وفيها أنفذ الملك الناصر صاحب دمشق ابنه الملك العزيز إلى هولاكو ومعه تقادم وعدة من الأمراء فلما وصل الملك العزيز إلى هولاكو قدم إليه ما معه وسأله على لسان أبيه في نجدة ليأخذ مصر من المماليك فأمر هولاكو أن يتوجه إليه بعسكر فيه قدر العشرين ألف فارس‏.‏

فطار هذا الخبر إلى دمشق فرحل من كان بها من المماليك البحرية وصاروا إلى الملك المغيث عمر بالكرك وحرضوه على أخذ مصر فجمع الملك المغيث وسار‏.‏

فتجهز الأمير قطز وخرج من القلعة بالعساكر في‏.‏

‏.‏

فلما وصل الصالحية تسلل إلى الملك المغيث من كان كاتبه من الأمراء وصاروا إليه فلقيهم قطز وقاتلهم‏.‏

فانهزم الملك المغيث في شرذمة إلى الكرك ومضى البحرية نحو الطور واتفقوا مع الشهرزورية من الشرق‏.‏

واستولى المصريون على من بقي من عساكر المغيث وأثقاله وأسروا جماعة وعادوا إلى قلعة الجبل‏.‏

وقد تغير قطز على عدة من الأمراء لميلهم إلى الملك المغيث‏:‏ فقبض على الأمير عز الدين أيبك الرومي الصالحي والأمير سيف الدين بلبان الكافوري الصالحي الأشرفي والأمير بدر الدين بكتوت الأشرفي والأمير بدر الدين بلغان الأشرفي وجماعة غيرهم وضرب أعناقهم في سادس عشري ربيع الأول وأخذ أموالهم كلها‏.‏

وفيها فر طائفة حمن الأكراد من وجه عسكر هولاكو يقال لهم الشهرزورية وقدموا دمشق وعدتهم نحو ثلاثة آلاف ومعهم أولادهم ونساؤهم‏.‏

فسر بهم الملك الناصر واستخدمهم ليتقوى بهم فزاد عنتهم وكثر طلبهم حتى خافهم وأخذ يداريهم وما يزيدهم ذلك إلا تمرداً عليه إلى أن تركوه وساروا إلى الملك المغيث بالكرك فسر بهم وتاقت نفسه إلى أخذ دمشق فخاف الناصر وتخيل من الأمراء القيمرية اللذين في دمشق فاضطرب وتحير‏.‏

وفمها مات أمير بني مرين أبو محيى بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة في رجب‏.‏

وقام من بعده ابنه عمر ونازعه عمه يعقوب بن عبد الحق وأبو محيى هو الذي فتح الأمصار وأقام رسوم المملكة وقسم بلاد المغرب بين عشائر بني مرين وقام بدعوة الأمير أبي زكريا بن أبي حفص صاحب تونس‏.‏

وأبو يحيى أول من اتخذ الموكب الملكي منهم وملك مدينة فاس‏.‏

وقد استبد أبو يحيى بملك المغرب الأقصى وبنو عبد الواحد بملك المغرب الأوسط وبنو أبي وفي سنة ست خمسين هذه‏:‏ قدم أولاد حسن مكة وقبضوا على إدريس وأقاموا ستة أيام فجاء أبو نمى وأخرجهم ولم يقتل بينهم أحد‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان الخليفة العباسي المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور ابن الظاهر بالله أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد آخر خلائف بني العباس مقتولاً في سادس صفر بعدما أتلف عساكر بغداد لنهمته في جمع المال فدهي الإسلام وأهله بلينه وإسناده الأمر إلى وزيره ابن العلقمي فإنه قطع أرزاق الأجناد واستجر التتار حتى كان ما كان ومات الملك الناصر داود بن المعظم عيسى ابن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي صاحب دمشق والكرك بعدما مرت به خطوب كثيرة عن ثلاث وخمسين سنة خارج دمشق‏.‏

وله شعر بديع‏.‏

وتوفي الحافظ زكي الدين أبو عبد الله عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة المنذري الشافعي الإمام الحجة عن خمس وسبعين سنة‏.‏

ومات محيى الدين أبو المظفر يوسف بن الحافظ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن محمد بن علي بن محمد بن جعفر بن الجرزي البكري البغدادي الحنبلي محتسب بغداد ورسول الخلافة عن ست وسبعين سنة‏.‏

وتوفي الصاحب محيى الدين أبو عبد الله محمد بن نجم الدين أبي الحسن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زيد بن هارون بن موسى بن عيسى ابن عبد الله بن محمد بن عامر أبي جرادة العقيلي بن العديم الحنفي عن ست وستين سنة بحلب‏.‏

وتوفي نظام الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عبد المجيد بن المولى الأنصاري الحلبي صاحب الإنشاء بحلب‏.‏

وتوفي ناظر الجيش بحلب واسمه عون الدين أو المظفر بن البهاء أبي القاسم عبد الحميد بن الحسن بن عبد الله بن الحسن بن العجمي الحلبي عن خمسين سنة وتوفي الصاحب عز الدين أبو حامد محمد بن محمد بن خالد بن محمد نصر بن القيسراني الحلبي ناظر الدواوين بدمشق‏.‏

وتوفي الصاحب بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الأزدي المكي الكاتب الشاعر الماهر صاحب الإنشاء بديار مصر عن خمس وسبعين سنة‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين علي بن سابق الدين عمر بن قزل - المعروف بالمشد عن أربع وخمسين سنة وشعره غاية في الجودة‏.‏وتوفي شاعر بغداد جمال الدين أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور الصرصري الحنبلي شهيداً عن ثمان وستين سنة‏.‏

وتوفي الأديب شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء بن الحلاوي الموصلي عن ثلاث وخمسين سنة بالموصل‏.‏

وتوفي الأديب سعد الدين أبو سعد محمد بن محيى الدين محمد بن علي بن عربي بدمشق‏.‏

وتوفي الأديب نور الدين أبو بكر محمد عبد العزيز بن عبد الرحيم بن رستم الأسعردي بدمشق‏.‏

وتوفي الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحق بن يوسف الشاذلي الزاهد بصحراء عيذاب‏.‏

وتوفي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي الفتح خطب مردا التركي الحنبلي عن سبعين سنة بمردا من عمل دمشق وكان قد حدث بالقاهرة‏.‏

 سنة سبع وخمسين وستمائة

فيها نازل التتار ماردين فلم ينالوا منها شيئاً فرحلوا عنها إلى ميافارقين وحاصروا أهلها وفيها خرج الملك المغيث من الكرك بعساكره يريد دمشق فخرج الملك الناصر من دمشق إلى محاربته ولقيه بأريحا وحاربه فانهزم المغيث إلى الكرك‏.‏

وسار الناصر إلى القدس فأقام بعد أياماً ثم رحل إلى زيراء فخيم على بركتها‏.‏

وأقام هناك مدة ستة أشهر والرسل تتردد بينه وبين المغيث إلى أن وقع الاتفاق بينهما على أن الناصر يتسلم الطائفة من المغيث البحرية جميعهم وأن المغيث يبعد عنه الشهرزورية صارت الشهرزورية من بلاد الكرك إلى الأعمال الساحلية‏.‏

وسير الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري إلى الملك الناصر يلتمس منه الأمان فحلف له وحضر ركن الدين بيبرس إليه على بركة زيزاء ومعه بدر الدين بيسري وإيتمش المسعودي وطيبرس الوزيري وبلباي الرومي الدوادار وأقوش الرومي ولاحين الدرفيل الدوادار وكشتغدي المشرف وأيدغمش الشيخي وأيبك الشيخي وبلبان المهراني وخاص ترك الكبير وسنجر المسعودي وأياز الناصري وسنجر الهمامي وأيبك العلائي وطمان الشقيري ولاجين الشقيري وسلطان الإلدكزي وبلبان الإقسيسي وعز الدين بيبرس‏.‏

فأكرمه الملك الناصر وأقطعه نصف نابلس وجينين وأعمالها بمائة وعشرين فارساً‏.‏

وبعث المغيث سائر البحرية إلى الملك الناصر فرحل عن زيزاء إلى دمشق وقبض على البحرية واعتقلهم‏.‏وفيها قدم الملك العزيز بن الملك الناصر من عند هولاكو وعلى يده كتابه ونصه‏:‏ الذي يعلم به الملك الناصر صاحب حلب أنا نحن قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى وقتلنا فرسانها وهدمنا بنيانها وأسرنا سكانها كما قال الله تعالى في كتابه العزيز‏:‏ ‏"‏ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ‏"‏ واستحضرنا خليفها وسألناه عن كلمات فكذب فواقعه الندم واستوجب منا العدم‏.‏

وكان قد جمع ذخائر نفيسة وكانت نفسه خسيسة فجمع المال ولم يعبأ بالرجال‏.‏

وكان قد نمى ذكره وعظم قدره ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال‏.‏

إذا تم أمر دنا نقصه توق زوالا إذا قيل تم إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وكم من فتى بات في نعمة فلم يدر بالموت حتى هجم إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين تأمن شره وتنل خيره كما قال الله تعالى في كتابه العزيز‏:‏ ‏"‏ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ‏"‏ ولا تعوق رسلنا عندك كما عوقت رسلنا من قبل فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بأموالهم وحريمهم إلى كروان سراي فإن كانوا في الجبال نسفناها وإن كانوا في الأرض خسفناها‏.‏

أين النجاة ولا مناص لهارب ولى البسيطان الثرى والماء ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت في قبضتي الأمراء والوزراء فانزعج الناصر وسير حريمه إلى الكرك وخاف الناس بدمشق خوفاً كثيراً لعلمهم أن التتر قد قطعوا الفرات وسار كثير منهم إلى جهة مصر وكان الوقت شتاء فمات خلائق بالطريق ونهب أكثرهم‏.‏

وبعث الناصر عندما بلغه توجه هولاكو نحو الشام بالصاحب كمال الدين عمر بن العديم إلى مصر يستنجد بعسكرها‏.‏

فلما قدم ابن العديم إلى القاهرة في يوم 000 عقد مجلس بالقلعة عند الملك المنصور وحضر قاضي القضاة بدر الدين حسن السنجاري والشيخ عز الدين بن عبد السلام‏:‏ وسئلا في أخذ أموال العامة ونفقتها في العساكر فقال ابن عبد السلام‏:‏ إذا لم يبق في بيت المال شيء أو أنفقتم الحوائض الذهب ونحوها من الزينة وساويتم العامة في الملابس سوى آلات الحرب ولم يبق للجندي إلا فرسه التي يركبها ساغ أخذ شيء من أموال الناس في دفع الأعداء‏.‏

إلا أنه إذا دهم العدو وجب على الناس كافة دفعه بأموالهم وأنفسهم وانفضوا‏.‏

فوجد الأمير سيف الدين قطز سبيلاً إلى القول وأخذ ينكر على الملك المنصور وقال‏:‏ لابد من سلطان ماهر قاهر يقاتل هذا العدو والملك المنصور صبي صغير لا يعرف تدبر المملكة‏.‏

وكانت قد كثرت مفاسد الملك المنصور علي بن المعز أيبك واستهتر في اللعب وتحكمت أمه فاضطربت الأمور‏.‏

وطمع الأمير يوسف الدين قطز في أخذ السلطنة لنفسه وانتظر خروج الأمراء للصيد‏:‏ فلما خرج الأمير علم الدين سنجر الغتمي والأمير سيف الدين بهادر وغيره من المعزية لرمي البندق - وكان يوم السبت رابع عشري ذي القعدة - قبض قطز على المنصور وعلى أخيه قاقان وعلى أمهما واعتقلهم في برج بقلعة الجبل‏.‏

فكانت مدة المنصور سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام‏.‏

الملك المظفر سيف الدين قطز جلس على سرير بقلعة الجبل يوم السبت الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة‏.‏

وهو ثالث ملوك الترك بمصر‏.‏

وفي خامسه‏:‏ ولي الوزراء زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع بن يزيد بن الزبير وصرف تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز فبلغ ذلك الأمراء فقدموا إلى قلعة الجبل وأنكروا ما كان من قبض قطز على الملك المنصور وتوثبه على الملك‏.‏

فخافهم واعتذر إليهم بحركة التتار إلى جهة الشام ومصر والتخوف مع هذا من الملك الناصر صاحب دمشق وقال‏:‏ وإني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر ولا يتأتى ذلك بغير ملك‏.‏

فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم فتفرقوا عنه وأخذ يرضيهم حتى تمكن‏.‏

فبعث بالمنصور وأخيه وأمه إلى دمياط واعتقلهم في برج عمره وسماه برج السلسلة ثم سيرهم إلى بلاد الأشكري وقبض على الأمير علم الدين سنجر الغنمي المعظمي والأمير عز الدين أيدمر النجيبي الصغير والأمير شرف الدين قيران المعزي والأمير سيف الدين بهادر والأمير شمس الدين قراسنقر والأمير عز الدين أيبك النجمي الصغير والأمير سيف الدين الدود خال الملك المنصور علي بن المعز والطواشي شقبل الدولة كافور لالا الملك المنصور والطواشي حسام الدين بلال المغيثي الجمدار‏.‏

واعتقلهم وحلف الأمراء والعسكر لنفسه واستوزر الصاحب زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع بن الزبير في خامس ذي القعدة واستمر بالأمير فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي المعروف بالمستغرب أتابكا وفوض إليه وإلى الصاحب زين الدين‏.‏

تدبير العساكر واستخدام الأجناد وسائر أمور الدولة واحتفل باستخدام الجنود والاستعداد للجهاد‏.‏

وورد الخبر بقدوم نجدة من عند هولاكو إلى الملك الناصر بدمشق فكتب إليه الملك المظفر قطز وقد خافه كتاباً يترقق فيه ويقسم بالأيمان أنه لا ينازعه في الملك ولا يقاومه وأنه نائب عنه بديار مصر ومتى حل بها أقعده على الكرسي وقال فيه أيضاً‏:‏ وإن اخترتني خدمتك وإن اخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت إليك العساكر صحبة من تختاره‏.‏

فلما قدم على الملك الناصر كتاب قطز اطمأن‏.‏

وفيها سار هولاكو من بغداد بنفسه إلى ديار بكر ونزل على آمد يريد حلب ونازل حران ونصب عليها المجانيق - وكانت في مملكة الناصر يوسف - حتى أخذها‏.‏

وقطع بعض جيشه الفرات وعاثوا في البلاد فأجمع أهل حلب على الرحلة منها وخرجوا جافلين‏.‏

فاحترز نائبها المعظم تورانشاه بن الناصر يوسف وجمع أهل الأطراف‏.‏

وتقدم التتار حتى دنوا من حلب فقتلوا كثيراً من عسكرها الذين خرجوا إليهم ثم رحلوا عنها عاجلاً‏.‏

فاضطرب الناصر وعزم على لقاء هولاكو وخيم على برزة‏.‏

وكتب إلى الملك المغيث صاحب الكرك وإلى الملك المظفر قطز يطلب منهما نجدة‏.‏

ومع هذا فكانت نفس الناصر قد ضعفت وخارت وعظم خوف الأمراء والعساكر من هولاكو‏:‏ فأخذ الأمير زين الدين الحافظي يعظم شأن هولاكو ويشير بألا يقاتل وأن يداري بالدخول في طاعته‏.‏

فصاح به الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري وضربه وسبه وقال‏:‏ أنتم سبب هلاك المسلمين وفارقه إلى خيمته فمضى زين الدين الحافظي إلى الملك الناصر وشكا إليه ما كان من الأمير بيبرس‏.‏

فلما كان الليل هجم طائفة من المماليك على الملك الناصر ليقتلوه ويملكوا غيره وكان في بستان ففر هو وأخوه الملك الظاهر إلى قلعة دمشق‏.‏

فبادر الأمراء القيمرية جمال الدين ابن يغمور والأكابر إلى القلعة وأشاروا على الناصر بأن يخرج إلى المخيم فخرج‏.‏

وعندما خرج ركب بيبرس وسار إلى عزة وبها الأمير نور الدين بدلان كبير الشهرزورية فتلقاه وأنزله‏.‏

وسير بيبرس إلى الملك المظفر قطز علاء الدين طيبرس الوزيري ليحلفه فكتب إليه الملك المظفر أن يقدم عليه‏.‏

ووعده الوعود الجميلة‏.‏

ففارق بيبرس الناصرية ووصل في جماعة إلى مصر فأنزله الملك المظفر بدار الوزارة وأقبل عليه وأقطعه قليوب وأعمالها‏.‏

وبلغ الناصر أن هولاكو أخذ قلعة حران وسائر تلك النواحي وأنه عزم على أخذ حلب فاشتد جزعه وسير زوجته وولده وأمواله إلى مصر وخرج معهم نساء الأمراء وجمهور الناس‏.‏

فتفرقت العساكر وبقي الناصر في طائفة من الأمراء‏.‏

ونزل هولاكو على البيرة وأخذ قلعتها - وأخذ منها الملك السعيد بن العزيز عثمان بن العادل وله بها تسع سنين في الاعتقال وولاه الصبيبة وبانياس - ونزل على حلب‏.‏

ففر أهل دمشق وغيرها وباعوا أموالهم بأبخس ثمن وساروا وكان الوقت شتاء فهلك منهم خلق كثير وسير الملك المغيث من بقي عنده من البحرية مقيدين على الجمال وهم نحو الخمسين‏:‏ منهم الأمير سنقر الأشقر‏.‏

وسار أربعة من البحرية إلى مصر‏.‏

وهم قلاوون الألفي وبكتاش الفخري أمير سلاح وبكتاش النجمي والحاج طيبرس الوزيري‏.‏

وفيها كثرت الزلازل بأرض مصر‏.‏

وفي ثاني عشر جمادى الآخرة‏:‏ جبي التصقيع من أملاك القاهرة ومصر‏.‏

وفي شعبان‏:‏ قبض على رجل يعرف بالكوراني‏.‏

وضرب ضرباً مبرحاً بسبب بدع ظهرت منه وجد إسلامه الشيخ عز الدين بن عبد السلام وأطلق من الاعتقال فأقام بالجبل الأحمر‏.‏

وفيها بني هولاكو الرصد بمدينة مراغة بإشارة الخواجا نصير الدين محمد الطوسي وهو دار للفقهاء والفلاسفة والأطباء بها من كتب بغداد شيء كثير وعليها أوقاف لخدامها‏.‏

وفيها استقل يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة ملك بني مرين بملك فاس وعامة المغرب الأقصى‏.‏

وفيها سار عز الدين كيكاوس وركن الدين قلج أرسلان ابنا كيخسرو بن كيقباد من قونية إلى هولاكو فأقاما عنده مدة ثم عادا إلى بلادهما‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأتابكي صاحب الموصل في ثالث عشر شعبان عن ثمانين سنة دبر فيها الموصل نحو خمسين سنة‏.‏

وقام من بعده ابنه الصالح إسماعيل وسار ابنه علاء الدين علي مفارقاً لأخيه إسماعيل إلى الشام‏.‏

وتوفي الشريف منيف بن شيحة الحسيني أمير المدينة النبوية‏.‏

وتوفي صدر الدين أبو الفتوح أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي ناظر الجامع الأموي عن ستين سنة بها‏.‏

وتوفي نجم الدين أبو الفتح مظفر بن محمد بن إلياس بن السيرجي الأنصاري الدمشقي الشافعي محتسب دمشق ووكيل بيت المال بها‏.‏

وتوفي الأديب بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن مكي بن محمد بن الحسين بن الدجاجية القرشي الدمشقي بها عن ست وستين سنة‏.‏

 سنة ثمان وخمسين وستمائة

في المحرم‏:‏ نزل هولاكو على مدينة حلب وراسل متوليها الملك المعظم تورانشاه بن الملك الناصر يوسف على أن يسلمه البلد ويرمنه ورعيته فلم يجبه إلى طلبه وأبى إلا محاربته‏.‏

فحصرها التتار سبعة أيام وأخذوها بالسيف وقتلوا خلقاً كثيراً وأسروا النساء والذرية ونهبوا الأموال مدة خمسة أيام استباحوا فيها دماء الخلق حتى امتلأت الطرقات من القتلى‏.‏

وصارت عساكر التتر تمشي على جيف من قتل فيقال إنه أسر منها زيادة على مائة ألف من النساء والصبيان‏.‏

وامتنعت قلعة حلب فنازلها هولاكو حتى أخذها في عاشر صفر وخربها وخرب جميع سور البلد وجوامعها ومساجدها وبساتينها حتى عادت موحشة‏.‏

وخرج إليه الملك المعظم توران شاه بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فلم يعترضه بسوء لكبر سنه فمات بعد أيام‏.‏

ووجد هولاكو من البحرية تسعة أنفس في حبس الملك الناصر فأطلقهم وأكرمهم‏.‏

منهم سنقر الأشقر وسيف الدين سكز وسيف الدين يرامق وبدر الدين بكمش المسعودي ولاجين الجمدار الصالحي وكندغدي الصغير‏.‏

فلما وصل الخبر إلى دمشق بأخذ قلعة حلب اضطربت بأهلها‏.‏

وكان الملك الناصر قد صادر الناس واستخدم لقتال التتر فاجتمع معه ما يناهز مائة ألف ما بين عرب وعجم فتمزق حينئذ الناس وزهدوا في أمتعتهم وباعوها بأبخس الأثمان وخرجوا على وجوههم‏.‏

ورحل الملك الناصر عن برزه يوم الجمعة منتصف صفر عن بقي معه يريد غزة وترك دمشق خالية وبها عامتها قد أحاطت بالأسوار وبلغت أجرة الجمل سبعمائة درهم فضة وكان الوقت شتاء‏.‏فلم يثبت الناس عند خروج الناصر ووقعت فيهم الجفلات حتى كأن القيامة قامت وكانت مدة مملكة الناصر بحلب ودمشق ثلاثاً وعشرين سنة وسبعة أشهر منها مدة تملكه لدمشق عشر سنين تنقص خمسين يوماً‏.‏

ولحق الملك الأشرف موسى بن المنصور صاحب حمص بهولاكو وسار الملك المنصور بن المظفر صاحب حماة إلى مصر بحريمه وأولاده وجفل أهل حمص وحماة‏.‏

وصار هولاكو إلى دمشق بعد أخذ حلب بستة عشر يوماً فقام الأمير زين الدين سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني المعروف بالزين الحافظي وأغلق أبواب دمشق وجمع من بقي بها وقرر معهم تسليم المدينة إلى هولاكو فتسلمها منه فخر الدين المردفائي وابن صاحب أرزن والشريف علي كان هؤلاء قد بعث بهم هولاكو إلى الملك الناصر وهو على برزة‏.‏

فكتبوا بذلك إلى هولاكو فسير طائفة من التتر وأوصاهم بأهل دمشق ونهاهم أن يأخذوا لأحد درهماً فما فوقه‏.‏

فلما كان ليلة الاثنين تاسع عشر صفر‏:‏ وصل رسل هولاكو صحبة القاضي محيى الدين بن الزكي وكان قد توجه من دمشق إلى هولاكو بحلب فخلع عليه وولاه قضاء الشام وسيره إلى دمشق ومعه الوالي‏.‏

فسكن الناس وجمعوا من الغد بالجامع فلبس ابن الزكي خلعة هولاكو وجمع الفقهاء وغيرهم وقرأ عليهم تقليد هولاكو‏.‏

وقرئت فرمانات هولاكو بأمان أهل دمشق

وفي سادس عشر ربيع الأول‏:‏ وصل نواب هولاكو في جمع من التتر صحبة كتبغا نوين فقرئ فرمان بالأمان‏.‏

وورد فرمان على القاضي كمال الدين عمر التفليسي نائب الحكم عن قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن سني الدولة بأن يكون قاضي القضاة بمدائن الشام والموصل وماردين وميافارقين وفيه تفويض نظر الأوقاف إليه من جامع وغيره فقرئ بالميدان الأخضر‏.‏

وغارت جمائع التتر على بلاد الشام حتى وصلت أطراف بلاد غزة وبيت جبريل والخليل وبركة زيزاء والصلت فقتلوا وسبوا وأخفوا ما قشروا عليه وعادوا إلى دمشق فباعوا بها المواشي وغيرها‏.‏

واستطال النصارى بدمشق على المسلمين وأحضروا فرمانا من هولاكو بالاعتناء بأمرهم وإقامة دينهم‏:‏ فتظاهروا بالخمر في نهار رمضان ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات وصبوه على أبواب المساجد وألزموا أرباب الحوانيت بالقيام إذا مروا بالصليب عليهم وأهانوا من امتنع من القيام للصليب وصاروا يمرون به في الشوارع إلى كنيسة مريم ويقفون به ويخطبون في الثناء على دينهم وقالوا جهراً‏:‏ ظهر الدين الصحيح دين المسيح‏.‏

فقلق المسلمون من ذلك وشكوا أمرهم لنائب هولاكو وهو كتبغا فأهانهم وضرب بعضهم وعظم قدر قسوس النصارى ونزل إلى كنائسهم وأقام شعارهم‏.‏

وجمع الزين الحافظي من الناس أموالاً جزيلة واشترى بها ثياباً وقدمها لكتبغا نائب هولاكو وليبيدرا وسائر الأمراء والمقدمين من التتر وواصل حمل الضيافات إليهم كل يوم ثم خرج كتبغا وبيدرا إلى مرج برغوث‏.‏

ووصل الملك الأشرف صاحب حمص من عند هولاكو وبيده مرسوم أن يكون نائب السلطة بدمشق والشام فامتثل ذلك كتبغا وصارت الدواوين وغيرها تحضر إلى الأشرف‏.‏

ثم بعد أيام ثار الأمير بدر الدين محمد بن قرمجاه والى قلعة دمشق هو والأمير جمال الدين بن الصيرفي وأغلقا أبوابها‏.‏

فحضر كتبغا بمن معه من عساكر التتار وحصروا القلعة في ليلة السادس من ربيع الآخر‏.‏

فبعث الله مطراً وبرداً مع ريح شديدة ورعود وبروق وزلزلة سقط منها عدة أماكن وبات الناس بين خوف أرضي وخوف عالي فلم ينالوا من القلعة شيئاً واستمر الحصار عليها بالمجانيق - وكانت تزيد على عشرين منجنيقاً - إلى ثاني عشري جمادى الأولى‏.‏

عند ذلك اشتد الرمي وخرب من القلعة مواضع فطلب من فيها الأمان ودخلها التتر فنهبوا سائر ما كان فيها وحرقوا مواضع كثيرة وهدموا من أبراجها عدة وأتلفوا سائر ما كان فيها من الآلات والعدد‏.‏

وساروا إلى بعلبك فخربوا قلعتها وسارت طائفة منهم إلى عزة وخربوا بانياس وأسعروا البلاد خرباً وملأوها قتلاً ونهباً‏.‏

وفي يوم السبت ثاني عشري شهر ربيع الأول‏:‏ قدم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري إلى القاهرة فركب الملك المظفر قطز إلى لقائه وأنزله في دار الوزارة بالقاهرة وأقطعه قصبة قليوب الخاصة‏.‏

وفيها ملك هولاكو ماردين وقتل أمراءها وخرب أسوار قلعتها‏.‏

وفيها وصل الملك الناصر إلى قطيا فخافه قطز وبرز بالعسكر إلى الصالحية‏.‏

ففارق الناصر عدة من أمرائه ومن الشهرزورية ولحقوا بقطز وأقاموا ببلبيس‏:‏ منهم حسام الدين طرنطاي وبدر الدين طيدمر الأخوث وبدر الدين أيدمر الدوادار وأيدغدي الحاجي‏.‏

فعاد الناصر من قطيا وقد تمزق ملكه وتفرق الناس عنه فنزل البلقاء‏.‏

ورجع قطز إلى قلعة الجبل وقبض على الأمير جمال الدين موسى بن يغمور وأعتقه بقلعة الجبل وصادر كل من وصل إليه من غلمان الملك الناصر وكتابه وأخذ أموالهم وألزم زوجة الملك الناصر بإحضار ما عندها من الجواهر فأخذ منها جوهراً كثيراً وأخذ من نساء الأمراء القيمرية أموالاً جمة وعاقب بعضهن وأما الملك الناصر فإن شخصاً من غلمانه - يعرف بحسين الكردي الطبرادار - قبض عليه وعلى ولده الملك العزيز وعلى أخيه غازي وإسماعيل بن شادي ومن معه وبعث بهم إلى هولاكو‏.‏

وفيها رحل هولاكو عن حلب يريد الرجوع إلى الشرق وجعل كتبغا نوين نائباً عنه بحلب وبيدرا نائباً بدمشق‏.‏

وأخذ هولاكو معه من البحرية سبعة منهم‏:‏ سنقر الأشقر وسكز وفيها وصلت رسل هولاكو إلى مصر بكتاب نصه‏:‏ من ملك الملوك شرقاً وغرباً القان الأعظم باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتنعمون بإنعامه ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك‏.‏

يعلم الملك المظفر قطز وسار أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال أنا نحن جند الله في أرضه خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل به غضبه‏.‏

فلكم بجميع البلاد معتبر وعن عزمنا مزدجر فاتعظوا بغيركم وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ‏.‏

فنحن ما نرحم من بكى ولا نرق لمن شكى وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم البلاد فعليكم بالهرب وعلينا بالطلب‏.‏

فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم وأي بلاد تحميكم‏.‏

فما من سيوفنا خلاص ولا من مهابتنا مناص‏.‏

فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال‏.‏

فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتالنا لا تنفع ومطركم علينا لا يسمع فإنكم أكلتم الحرام ولا تعفون عند الكلام وخنتم العهود والأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان‏.‏

فأبشروا بالمذلة والهوان ‏"‏ فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ‏"‏ ‏"‏ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ‏"‏ فمن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلم‏.‏

فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن خالفتم هلكتم فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم‏.‏

فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أن نحن الكفرة وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة فكثيركم عندنا قليل وعزيزكم عندنا ذليل وبغير الأهنة لملوككم عندنا سبيل‏.‏

فلا تطلوا الخطاب وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرم الحرب نارها وترمى نحوكم شرارها فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً‏.‏

وتدهون منا بأعظم داهية وتصبح بلادكم منكم خالية‏.‏

فقد أنصفنا إذ راسلناكم وأيقظناكم إذ حذرناكم فما بقي لنا مقصد سواكم‏.‏

والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى‏.‏

ألا قل لمصرها هلاون قد أتى بحد سيوف تنتضى وبواتر يصير أعز القوم منا أذلة ويلحق أطفالاً لهم بالأكابر فجمع قطز الأمراء واتفقوا على قتل الرسل والمسير إلى الصالحية‏:‏ فقبض على الرسل واعتقلوا وشرع في تحليف من تخيره من الأمراء وأمر بالمسير والأمراء غير راضين بالخروج كراهة في لقاء التتر‏.‏

فلما كان يوم الاثنين خامس عشر شعبان‏:‏ خرج الملك المظفر بجميع عسكر مصر ومن أنضم وفيه أحضر قطز رسل التتر وكانوا أربعة فوسط واحداً بسوق الخيل تحت قلعة الجبل ووسط آخر بظاهر باب زويلة ووسط الثالث ظاهر باب النصر ورسط الرابع بالريدانية‏.‏

وعلقت رءوسهم على باب زويلة وهذه الرءوس أول رءوس علقت على باب زويلة من التتار‏.‏

وأبقى الملك المظفر على صبي من الرسل وجعله من جملة مماليكه‏.‏

ونودي في القاهرة ومصر وسائر إقليم مصر بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله ونصرة لدين رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وتقدم الملك المظفر لسائر الولاة بإزعاج الأجناد في الخروج للسفر ومن وجد منهم قد اختفى يضرب بالمقارع‏.‏

وسار حتى نزل بالصالحية وتكامل عنده العسكر فطلب الأمراء وتكلم معهم في الرحيل فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل‏.‏

فقال لهم‏:‏ يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال وأنتم للغزاة كارهون وأنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته‏.‏

فإن الله مطلع عليه وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين‏.‏

فتكلم الأمراء الذين تخيرهم وحلفهم في موافقته على المسير فلم يسع البقية إلا الموافقة وانفض الجمع‏.‏

فلما كان في الليل ركب السلطان وحرك كوساته وقال‏:‏ أنا ألقى التتار بنفسي فلما رأى الأمراء مسير السلطان ساروا على كره‏.‏

وأمر الملك قطز الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري أن يتقدم في عسكر ليعرف أخبار التتر فسار بيبرس إلى غزة وبها جموع التتر فرحلوا عند نزوله وملك هو غزة‏.‏

ثم نزل السلطان بالعساكر إلى غزة وأقام بها يوماً ثم رحل من طريق الساحل على مدينة عكا وبها يومئذ الفرنج فخرجوا إليه بتقادم وأرادوا أن يسيروا معه نجدة فشكرهم وأخلع عليهم واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه وأقسم لهم أنه متى تبعه منهم فارس أو راجل يريد أذى عسكر المسلمين رجع وقاتلهم قبل أن يلقى التتر‏.‏

وأمر الملك المظفر بالأمراء فجمعوا وحضهم على قتال التتر وذكرهم بما وقع بأهل الأقاليم من القتل والسبي والحرير وخوفهم وقوع مثل ذلك وحثهم على استنقاذ الشام من التتر ونصرة الإسلام والمسلمين وحذرهم عقوبة الله‏.‏

فضجوا بالبكاء وتحالفوا على الاجتهاد في قتال التتر ودفعهم عن البلاد‏.‏

فأمر السلطان حينئذ أن يسير الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري بقطعة من العسكر فسار حتى لقي طليعة التتر‏.‏

فكتب إلى السلطان يعلمه بذلك‏.‏

وأخذ في مناوشتهم فتارة يقدم وتارة يحجم إلى أن وافاه السلطان على عين جالوت وكان كتبغا وبيدرا نائبا هولاكو لما بلغهما مسير العساكر المصرية جمعا من تفرق من التتر في بلاد الشام وسارا يريدان محاربة المسلمين فالتقت طليعة عسكر المسلمين بطليعة التتر وكسرتها‏.‏فلما كان يوم الجمعة خامس عشري شهر رمضان‏:‏ التقى الجمعان وفي قلوب المسلمين وهم عظيم من التتر وذلك بعد طلوع الشمس‏.‏

وقد امتلأ الوادي وكثر صياح أهل القرى من الفلاحين وتتابع ضرب كوسات السلطان والأمراء فتحيز التتر إلى الجبل فعندما اصطدم العسكران اضطرب جناح عسكر السلطان وانتفض طرف منه فألقى الملك المظفر عند ذلك خوذته على رأسه إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته‏:‏ وا إسلاماه وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة فأيده الله بنصره وقتل كتبغا مقدم التتر وقتل بعده الملك السعيد حسن بن العزيز وكان مع التتر‏.‏

وانهزم باقيهم ومنح الله ظهورهم المسلمين يقتلون ويأسرون وأبلى الأمير بيبرس أيضاً بلاء حسناً بين يدي السلطان‏.‏

ومما اتفق في هذه الوقعة أن الصبي الذي أبقاه السلطان من رسل التتر وأضافه إلى مماليكه كان راكباً وراءه حال اللقاء‏.‏

فلما التحم القتال فوق سهمه نحو السلطان فبصر به بعض من كان حوله فأمسك وقتل مكانه‏.‏

وقيل بل رمى الصبي السلطان بسهمه فلم يخطئ فرسه وصرعه إلى الأرض وصار السلطان على قدميه فنزل إليه فخر الدين ماما وأركبه فرسه حتى حضرت الجنائب فركب فخر الدين منها‏.‏

ومر العسكر في أثر التتر إلى قرب بيسان فرجع التتر وصافوا مصافاً ثانياً أعظم من الأول فهزمهم الله وقتل أكابرهم وعدة منهم‏.‏

وكان قد تزلزل المسلمون زلزالاً شديداً فصرخ السلطان صرخة عظيمة سمعه معظم العسكر وهو يقول‏:‏ وا إسلاماه ثلاث مرات يا لله انصر عبدك قطز على التتار‏.‏

فلما انكسر التتار الكسرة الثانية نزل السلطان عن فرسه ومرغ وجهه على الأرض وقبلها وصلى ركعتين شكراً لله تعالى ثم ركب فأقبل العسكر وقد امتلأت أيديهم بالمغانم‏.‏

فورد الخبر بانهزام التتر إلى دمشق ليلة الأحد سابع عشريه وحملت رأس كتبغا مقدم التتار إلى القاهرة ففر الزين الحافظي ونواب التتار من دمشق وتبعهم أصحابهم فامتدت أيدي أهل الضياع إليهم ونهبوهم فكانت مدة استيلاء التتر على دمشق سبعة أشهر وعشرة أيام‏.‏

وفي يوم الأحد المذكور‏:‏ نزل السلطان على طبرية وكتب إلى دمشق يبشر الناس بفتح الله له وخذلانه التتر وهو أول كتاب ورد منه إلى دمشق فلما ورد الكتاب سر الناس به سروراً كثيراً وبادروا إلى دور النصارى فنهبوها وأخربوا ما قدروا على تخريبه وهدموا كنيسة اليعاقبة وكنيسة مريم وأحرقوها حتى بقيتا كوماً وقتلوا عدة من النصارى واستتر باقيهم‏.‏

وذلك أنهم في مدة استيلاء التتر هموا مرارا بالثورة على المسلمين وخربوا مساجد ومآذن كانت بجوار كنائسهم وأعلنوا بضرب الناقوس وركبوا بالصليب وشربوا الخمر في الطرقات ورشوه وفي ثامن عشريه‏:‏ نهب المسلمون اليهود بدمشق حتى لم يتركوا لهم شيئاً وأصبحت حوانيتهم بالأسواق دكاً فقام طائفة من الأجناد حتى كفوا الناس عن حريق كنائسهم وبيوتهم‏.‏

وفيه ثار أهل دمشق بجماعة من المسلمين كانوا من أعوان التتار وقتلوهم وخربوا الدور المجاورة للكنائس وقتلوا جماعة من المغل فكان أمراً مهولاً‏.‏

وفي تاسع عشرينه‏:‏ وصل بكرة النهار الأمير جمال الدين المحمدي الصالحي بمرسوم الملك المظفر قطز منزل بدار السعادة وأمن الناس ووطنهم‏.‏

وفي يوم الأربعاء آخر شهر رمضان‏:‏ وصل الملك المظفر إلى ظاهر دمشق فخيم هناك وأقام إلى ثاني شوال فدخل إلى دمشق ونزل بالقلعة وجرد الأمير ركن الدين بيبرس إلى حمص فقتل من التتر وأسر كثيراً وعاد إلى دمشق‏.‏

واستولى الملك المظفر على سائر بلاد الشام كلها من الفرات إلى حد مصر وأقطع الأمراء الصالحية والمعزية وأصحابه بقطاعات الشام واستناب الأمير علم الدين سنجر الحلبي في دمشق ومعه الأمير مجير الدين أبو الهيجاء بن عيسى بن خشتر الأزكشي الكردي‏.‏

وبعث إليه الملك الأشرف موسى - صاحب حمص ونائب هولاكو ببلاد الشام - يطلب الأمان فأمنه‏.‏

وبعث السلطان أيضاً بالملك المظفر علاء الدين علي بن بدر الدين لؤلؤ صاحب سنجار إلى حلب نائباً بها وأقطع أعمالها بمناشره‏.‏

وأقر الملك المنصور على حماة وبارين وأعاد عليه المعرة - وكانت بيد الحلبيين من سنة خمس وثلاثين وستمائة وأخذ سليمة منه وأعطاها الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب‏.‏

ورتب الأمير شمس الدين أقوش البرلي العزيزي أميراً بالساحل وغزة ومعه عدة من العزيزية - وكان قد فارق الناصر يوسف وسار إلى القاهرة فأكرمه السلطان وخرج معه فشهد وقعة عين جالوت وأمر بشنق حسين الكردي الطبرادار فشنق من أجل أنه دل على الملك الناصر‏.‏

وثار عدة من الأوشاقية مماليك السلطان بالنصارى ونهبوا دورهم وكان معهم عدة من عوام دمشق فشنق منهم نحو الثلاثين نفساً‏.‏

وأمر السلطان أن يقرر على نصارى دمشق مائة وستون ألف درهم فجمعوها وحملت إلى السلطان بسفارة الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب أتابك العسكر‏.‏

وأما التتر فإنهم لما لحقهم الطلب إلى أرض حمص ألقوا ما كان معهم من متاع وغيره وأطلقوا الأسرى وعرجوا نحو طريق الساحل‏.‏

فتخطف المسلمون منهم وقتلوا خلقاً كثيراً وأسروا أكثر‏.‏

فلما بلغ هولاكو كسرة عسكره وقتل نائبه كتبغا عظم عليه فإنه لم يكسر له عسكر قبل ذلك ورحل من يومه‏.‏وكان هولاكو لما قدم عليه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز صاحب الشام أكرمه وأجرى له راتباً واختص به وأجلسه على كرسي قريباً منه وشرب معه ثم كتب له فرماناً وقلده مملكتي الشام ومصر وأخلع عليه وأعطاه خيولاً كثيرة وأموالاً وسيره إلى جهة الشام‏.‏

فأمر هولاكو لما ورد عليه خبر الكسرة برده فأحضر وقتل بجبال سلماس في ثامن عشر شوال وقتل معه أخوه الملك الظاهر غازي والملك الصالح ابن شركوه وعدة من أولاد الملوك وشفعت طقز خاتون زوجة هولاكو في الملك العزيز بن الناصر فلم يسلم من القتل غيره ورجع هولاكو إلى بلاده‏.‏

وتراجع الناس إلى دمشق وسارت الأسعار بها غالية جداً لقلة الأقوات‏.‏

وعدمت الفلوس فيها وتضرر الناس في المعاملة بسبب الدراهم وعز كل ما كان قد هان‏.‏

فلما رتب السلطان أحوال النواب والولاة والشادين ببلاد الشام خرج من دمشق يوم الثلاثاء سادس عشري شوال يريد مصر بعدما كان قد عزم على المسير إلى حلب فثناه عن ذلك ما بلغه من تنكر الأمير بيبرس وغيره عليه فإنه قد عزم على القيام بمحاربته‏:‏ وسبب ذلك أن الأمير بيبرس سأل السلطان أن يوليه نيابة حلب فلم يرض فتنكر عليه ليقضي الله أمراً كان مفعولا‏.‏

فخافه السلطان وأضمر له السوء وسار إلى جهة مصر‏.‏

وبلغ بيبرس فاحترس كل منهما من الآخر وعمل في القبض عليه‏.‏

وحدث بيبرس جماعة من الأمراء في قتل السلطان‏:‏ منهم الأمير سيف الدين بلبان الرشيدي والأمير سيف الدين بهادر المعزي والأمير بدر الدين بكتوت الجوكندار المعزي والأمير بيدغان الركني والأمير بلبان الهاروني والأمير بدر الدين أنس الأصبهاني‏.‏

فلم يزل السلطان سائراً إلى أن خرج من الغرابي وقارب الصالحية وانحرف في مسيره عن الدرب للصيد ومعه الأمراء‏.‏

فلما فرغ من صيحه وعاد يريد الدهليز السلطاني طلب منه الأمير بيبرس امرأة من سبي التتر فأنعم بها عليه‏.‏

فأخذ بيبرس يد السلطان ليقبلها وكانت إشارة بينه وبين الأمراء‏:‏ فبدره الأمير بدر الدين بكتوت بالسيف وضرب به عانقه واختطفه الأمير أنس وألقاه عن فرسه ورماه الأمير بهادر المعزي بسهم أتى على روحه وذلك يوم السبت خامس عشر ذي القعدة ودفن بالقصير فكانت مدة ملكه أحد عشر شهراً وسبعة عشر يوماً‏.‏

وحمل قطز بعد ذلك إلى القاهرة فدفن بالقرب من زاوية الشيخ تقي الدين قبل أن تعمر ثم نقله الحاج قطز الظاهري إلى القرافة ودفن قريباً من زاوية ابن عبود‏.‏

ويقال إن اسمه محمود بن ممدود وإن أمه أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه وإن أباه ابن عم السلطان جلال الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداوي كان بيبرس تركي الجنس فاشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب وترقى في خدمته واستفاد من أخلاقه‏.‏

فلما مات الملك الصالح قام بيبرس في خدمة ابنه الملك المعظم تورانشاه إلى أن قتل فلم يزل يترقى إلى أن قتل الفارس أقطاي فخرج من القاهرة وتنقل في بلاد الشام‏.‏

ثم عاد إلى مصر وخرج مع الملك المظفر قطز إلى قتال التتر‏.‏

فلما قتل قطز سار الأمراء الذين قتلوه إلى الدهليز السلطاني بالصالحية واتفقوا على سلطنة الأمير بيبرس‏.‏

فقام الأمير أقطاي المستعرب الأتابك - وكان بالدهليز - وقال للأمراء عند حضورهم‏:‏ من قتله منكم‏.‏

فقال الأمير بيبرس‏:‏ أنا قتلته‏.‏

فقال الأمير أقطاي‏:‏ يا خوندا اجلس في مرتبة السلطنة مكانه‏.‏

فجلس بيبرس وبايعه أقطاي وحلف له ثم تلاه الأمير بلبان الرشيدي والأمير بدر الدين بيسري والأمير سيف الدين قلاوون والأمير بيليك الخازندار ثم بقية الأمراء على طبقاتهم‏.‏

وتلقب بيبرس بالملك القاهر وذلك في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة المذكور‏.‏

فقال له الأمير أقطاي الأتابك‏:‏ لا تتم السلطنة إلا بدخولك إلى قلعة الجبل‏.‏

فركب بيبرس لوقته ومعه الأمير أقطاي والأمير قلاوون والأمير بيسري والأمير بلبان والأمير بيليك ومماليكه‏.‏

وتوجه إلى قلعة الجبل فلقيه الأمير عز الدين أيدمر الحلي نائب السلطنة بديار مصر وكان قد خرج إلى لقاء الملك المظفر قطز‏.‏

فأعلمه بيبرس بما جرى فحلف له الحلي وتقدمه إلى القلعة ووعد من فيها من الأمراء بمواعيد جيدة عن بيبرس فلم يخالف منهم أحد‏.‏

وجلس الأمير عز الدين أيدمر الحلي على باب القلعة حتى قدم بيبرس والأمراء في الليل فتسلم القلعة ليلة الاثنين تاسع عشر ذي القعدة سنة ثمان وسين وستمائة وحضر إليه الصاحب الوزير زين الدين يعقوب بن الزبير وأشار عليه أن يجر اللقب بالملك القاهر فإنه ما تلقب به أحد فأفلح فاستقر لقبه الملك الظاهر‏.‏

وكانت القاهرة قد زينت لقدوم الملك المظفر قطز والناس في فرح ومسرات بقتل التتر‏.‏

فلما طلع النهار نادى المنادي في الناس‏:‏ ترحموا على الملك المظفر وادعوا لسلطانكم الملك القاهر ركن الدين بيبرس‏.‏

ثم في آخر النهار أمر بالدعاء للملك الظاهر‏.‏

فغم الناس ذلك وخافوا من عودة دولة الممالك البحرية وسوء مملكتهم وجورهم‏.‏

وكان قطز قد أحدث في هذه السنة حوادث كثيرة عند حركته لقتال التتر‏:‏ منها تصقيع الأملاك وتقويمها وأخذ زكاتها من أربابها وأخذ من كل واحد من الناس من جميع أهل إقليم مصر ديناراً وأخذ من الترك الأهلية ثلثها‏.‏

فأبطل الملك الظاهر جميع ما أحدثه قطز وكتب به توقيعاً وفي يوم الاثنين‏:‏ صبيحة قدوم السلطان جلس الملك الظاهر بيبرس بالإيوان من القلعة وحلف العساكر واستناب الأمير بدر الدين بيليك الخازندار واستقر الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب أتابكاً على عادته والأمير جمال الدين أقوش النجيبي الصالحي أستاداراً والأمير عز الدين الأقرم الصالحي أمير جاندار والأمير صيام الدين لاجين الدرفيل والأمير سيف الدين بلبان الرومي دوادارية والأمير بهاء الدين أمير أخور على عادته‏.‏

ورتب في الوزارة الصاحب زين الدين يعقوب ابن الزبير والأمير ركن الدين إياجي والأمير سيف الدين بكجري حاجبين‏.‏

وكتب لإحضار البحرية البطالين من البلادة وكتب إلى الملوك والنواب يخبرهم بسلطنته فأجابوا كلهم بالسمع والطاعة خلا الأمير سنجر الحلبي نائب دمشق فإنه لما استقر في نيابة دمشق كان قد عمر سورها وحصنها فورد عليه الخبر بقتل قطز وسلطنة بيبرس في أوائل ذي الحجة فامتعض لذلك وأنف من طاعة بيبرس‏.‏

ودعا لنفسه وحلف الأمراء وتلقب بالملك المجاهد وخطب له يوم الجمعة سادس ذي الحجة فدعا الخطيب للملك الظاهر أولاً ثم للملك المجاهد ثانياً وضربت السكة باسمهما‏.‏

ثم ارتفع المجاهد عن هذا وركب بشعار السلطنة والغاشية بين يديه وشرع في عمارة قلعة دمشق وجمع لها الصناع وكبراء الدولة والناس وعملوا فيها حتى عملت النساء أيضاً وكان عند الناس بذلك سرور كبير‏.‏

فقدم رسول الملك الظاهر بيبرس بكتابه بعد يومين فوجد الأمير سنجر قد تسلطن فعاد إلى مصر‏.‏

فكتب الملك الظاهر إليه يعنفه ويقبح فعله فغالطه في الجواب‏.‏

فولي دمشق في هذه السنة - من أولها إلى نصف صفر - الملك الناصر ثم ملكها هولاكو إلى أن سار إلى الشرق فاستناب بها كتبغا وبيدرا فحكم فيها التتر إلى خامس عشري رمضان ثم صارت في مملكة قطز إلى أن قتل في خامس عشري ذي القعدة فملكها الملك المجاهد علم الدين سنجر الحلبي بقية السنة‏.‏

وكان القضاء بها أولاً بيد القاضي صدر الدين أحمد بن يحيى بن هبة الله بن سني الدولة ثم ولي التتر القاضي كمال الدين عمر بن بندار التفليسي ثم بعده القاضي محيى الدين بن التركي ثم القاضي صدر الدين أبو القاسم‏.‏

ثم ولي القاضي صدر الدين بعلبك فاستقل ابن التركي بالقضاء بدمشق إلى أن صرفه قطز بنجم الدين أبي بكر محمد بن صدر الدين أحمد بن سني الدولة‏.‏

وفيها ثار بحلب العزيزية والناصرية على الملك السعيد علاء الدين بن بدر الدين صاحب الموصل وقبضوا عليه ونهبوا وطاقه وقدموا عليهم الأمير حسام الدين لاجين العزيزي الجوكندار‏.‏

وكان الأمير حسام الدين المذكور قد أخذ إذناً من الملك المظفر قطز - رحمه الله تعالى - وتوجه لاستخلاص ما بقي له من الإقطاع والودائع التي كانت له من أيام الملك الناصر‏.‏فلما أنفق ما اتفق وهو بحلب أجمع الحلبيون على تقديمه فكتب إليه الملك المجاهد علم الدين سنجر الحلبي بأن يخطب له في حلب وأن يكون نائباً له وأن يزيده على إقطاعه زيادات كثيرة‏.‏

فامتنع لاجين من إجابة الملك المجاهد سنجر وقال‏:‏ أنا نائب ملك مصر وأقام على طاعة الظاهر بيبرس فبعث إليه الظاهر بالتقليد بنيابة حلب‏.‏

وفيها ثار جماعة من السودان والركبدارية والغلمان وشنقوا بالقاهرة وهم ينادون يآل علي وفتحوا دكاكين السيوفيين بين القصرين وأخذوا ما فيها من السلاح واقتحموا اصطبلات الأجناد وأخذوا منها الخيول وكان الحامل لهم على هذا رجل يعرف بالكوراني أظهر الزهد بيده سبحة وسكن قبة بالجبل وتردد إليه الغلمان فحدثهم في القيام على أهل الدولة وأقطعهم الإقطاعات وكتب لهم بها رقاعاً‏.‏

فلما ثاروا في الليل ركب العسكر وأحاطوا بهم وربطوهم فأصبحوا مصلبين خارج باب زويلة وسكنت الثائرة‏.‏

وخرجت السنة ولم يركب الملك الظاهر بيبرس بشعار السلطنة على العادة‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان الملك المعظم تورانشاه بن الناصر يوسف بن العزيز شادي بن الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب كبير البيت الأيوبي ونائب حلب عن ثمانين سنة‏.‏

ومات الملك الكامل محمد بن المظفر غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي صاحب ميافارقين وكان عالماً عادلاً محسناً قتله التتار وحملوا رأسه إلى دمشق‏.‏

وتوفي الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي صاحب قلعة الصبيبة وبانياس بعد ما أخذتا منه وسار إلى البيرة فأعاده التتار إلى ولايتهما وحضر معهم عين جالوت فأسر وضرب عنقه‏.‏

ومات الملك السعيد إيلغازي بن المنصور أرتق بن إبلغازي بن ألبي بن تمرقاش بن إيلغازي بن أرتق صاحب ماردين بها وقام من بعده ابنه المظفر قرا أرسلان‏.‏

وتوفي قاضي القضاة بدمشق صدر الدين أبو العباس أحمد بن أبي البركات يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن سني الدولة التغلبي الدمشقي الشافعي ببعلبك عن ثمان وستين سنة‏.‏

وتوفي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله ابن عيسى اليونيني الحنبلي عن ست وثمانين سنة ببعلبك‏.‏

وتوفي الصاحب مؤيد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم القفطي الشيباني وزير حلب بها عن أربع وستين سنة‏.‏وتوفي الأديب مخلص الدين أبو عبد الله المبارك يحيى بن المبارك بن فضيل الغساني الحمصي بها في الجفلة‏.‏

وتوفي الأديب جلال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن محمد بن عبد الله الصفار المارديني الشاعر بها قتيلاً عن ثلاث وثمانين سنة‏.‏

وتوفي الشيخ أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي الصالحي الزاهد ببلاد حلب عن أربع وسبعين سنة